أدهشني المشهد يوم الاستفتاء و أقل ما يقال عنه انه كان يوما تاريخيا ..نعم و بدون مبالغة ..أن تنزل هذه الجحافل - و هي جحافل فعلا إذ قررنا مقارنتها باي انتخابات او استفتاءات سابقة-لتدلي بدلوها في الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي تضع خارطة طريق واضحة المعالم للمرحلة المقبلة..برغم عدم موافقتي عليها و تصويتي بلا و لكن لا لم تكن الا ردا على عدم وضوح الرؤية بشان الغرض من التعديلات بعد اسقاط العمل بالدستور و عدم فهم الغرض من تعديله الذي يصبح بلا معنى في تلك الحالة .و ربما كان من الافضل ان يكون الاستفتاء على أعلان دستوري يوضح معالم الفترة القادمة ووقتها كان الموضع سيكون اوقع بكثير و كان المعارضين قبل المؤيدين سيوافقون عليه لسبب واضح انه لم يدع مجالا للشك حول مصير الدستور القديم ..و أدهشني كذلك النظام البديع للمواطني و اصطفافهم بنظام و سماحتهم مع الحوامل و كبار السن و النقاش الحضاري بينهم في الطوابير بين مؤيد و معارض و الاختلاف بدون خلاف ,و احسست وقتها بنشوة و نصر كبير إذ تذكرت كلام السيد المحترم عمر سليمان مع احدى مذيعات وكالة انباء اجنبية و هو يقول لها اننا غير جاهزون بعد للديموقراطية و ان ثقافة الناس هنا غير ديموقراطية و اعجبني وقتها ان الحوار بالانجليزية و ان فهم الناس له و تعليقاتهم عليه اكبر ضحد لهؤلاء الحكام النائمين في العسل متصورين ان كل مجهوداتهم في جعل الشعب جاهلا قد آتت ثمارها و اننا لما نشتم فيهم بالانجليزي لن يفهموا...لكم تمنيت وقتها أن أرى وجهه و تعبيراته و هو يفتري علينا و يقول اننا غير مستعدون للديموقراطية ...!!!
و لكن لاكن صريحة مع نفسي قبل الاخرين فان جزءا من كلامه يحتمل الصواب و ما يدفعني الى قول هذا -أيضا - يوم الاستفتاء..و هذا ليس سببه الاغلبية التي صوتت بنعم و لكن كيفية تبنيهم لوجهة النظر المؤيدة للتعديلات الدستورية و التي يفتقر أغلبها للموضوعية ...و التي سيطر عليها و عمل على صبها في هذا القالب -و بلا منازع- الخطاب الديني .أو بعبارة أدق تسييس الخطاب الديني..لقد كان الاستفتاء واضحا بالحروف و الأرقام في المواد المعدلة و التي تتعلق بآلية قبول مرشحي الرئاسة القادمين و احترام القضاء كسلطة للفصل في صحة عضويات مجلس النواب و الطوارئ و بعض المواد الاخرة التي لا تمت للدين بصلة ..فالمادة الثانية من الدستور موجودة في جميع دساتير مصر السابقة و الاخوة الاقباط لم يبدو أي تحسس تجاهها فيما سبق و ما جعل القس الموجود على كل مواقع الانترنت حاليا يخرج بيطالب الاقباط بالتصويت بلا -كرد فعل على من قال نعم للدين- هو ان بعض المنتسبين للتيارات الاسلاميه خرجوا يطالبون بعدم المساس بالمادة و كان هناك من يتربص بها..و اني لاستنكر موقفهم هذا الان و قد كان بعضهم يعتقل و يشتبه به لمجرد انه يعفي لحيته و يداوم على الصلاة في المسجد ...و استلحفكم ان تردوا على بصدق يا إخواني :هل حمتكم المادة من بطش أمن الدولة بكم ؟؟؟و هل المادة هي التي جعلتكم مسلمين و موحدين ومؤمنين بالله تعالى ؟؟؟و هل استطاعت المادة ان تمنع البهائيين و القرآنيين أو كل من ضل و ابتدع في منهج الاسلام عن اعتناق تلك المذاهب المشوهة؟؟
أعتقد الاجابة معروفة و لكي لا يتهمني أحد بما ليس في فانا مسلمة موحدة لا أشك في وحدانية الله و أن اسلامنا هو الحق المتمم لكل قيم الانسانية الرفيعة كالعدالة و الحرية و الصدق و المساواة و انا لا احصيها فهي اكبر من ذلك بكثير ..و هذه النظرة الضيقة التي تحصر الدين في سطر في كتاب لم يكن يطبق منه شئ تؤذينا و لا تفيدنا جميعا سواء كنا مسلمين او اقباط فالدين منهج اذا طبقه الفرد صلح المجتمع و ليس بنودا في قانون او دستور من وضع البشر و الضمير موجود فينا على اختلاف الواننا و اعراقنا و انتمائاتنا الدينية.
رحم الله الامام طنطاوي -برغم كل الانتقادات التي وجهت اليه- حين قال لا أعلم عندما سئل عن المقاطعة و جدواها..و قال وقتها اسئلوا وزير الاقتصاد او وزير التجارة انما انا لا أعلم و هو رجل علم و دين درس العلوم الشرعية في الأزهر الشريف الذي مازال قبلة لكل طالبي علوم الدين و الفقه و الشريعة و منبرا لها...اما الان فكل يوم يخرج علينا من لانعلم اذا ما كان قد حصل على الشهادة الابتدائية ليروي لنا السيرة النبوية و كأنها سيرة ابو زيد الهلالي و يفسر لنا الاحاديث النبوية على غير الوجه الصحيح و ينسخ منها ما لا يوفق اهواءه الشخصية و نحن -في غياب التعليم الحقيقي و توجه معطم الناس الى المسجد و الكنيسة - نقول سمعا و طاعة ..هل هؤلاء اصلا اهل للعلم حتى نستفتيهم في شؤون ديننا ؟؟و ننتقل الى استفتائهم في امور دنيانا .و انا هنا لا افصل الدين عن الحياة و لكن أربا بكل عالم حق أن يضع نفسه في هذا الموضع و يضع الشريعة الحقة على المحك حين يحكم بها على ما لا تصلح في الحكم عليه ...افيقوا يا سادة و اعرفوا ما لكم و ما عليكم تجاه هذا البلد و لا تكتفوا بالمشاهدة فقط فلسوف يحاسبنا الله جميعا عن جهل الجاهلين..و عن علم المتعلمين و اضطلاع انصافهم بمهمة ملئ العقول الفارغة بما يتماشى مع اهواءهم و أرائهم فيزينون لهم الباطل و يلبسونه ثوب الحق..و عن كلمة حق لم نقلها في وقتها ربما خوفا او حياءا...